بلدة الشرافات بإقليم شفشاون
التي تحتضن بين جنباتها احد أقدم المساجد العتيقة التي أسست بشمال إفريقيا ، بما
في ذلك المقبرة التاريخية التي توجد بجواره ، و التي استمرت تربتها المباركة منذ قرون و قرون تحتفظ برفات العديد من الفاتحين و بناة
المسجد و حماته من العلماء و حفظة القرآن الذين ساهموا بكل تفان و إخلاص في نشر
نور الرسالة الإلهية على ارض المغرب و الأندلس ، هذه البلدة قد أصبحت اليوم هدفا
لكثير من الإهمال و التقصير في حماية موروثها التاريخي و حرمة سلفها الصالح ، خصوصا ما يتعلق بمقبرتها التاريخية المشار
إليها ، و التي تبدو من خلال الصورة رفقته ، و لمن زارها قصد
الترحم على سكانها أو الاطلاع التاريخي و العلمي ، أنها أصبحت بدون حرمة ، و مستباحة
و عرضة لكل أعمال التدنيس و الامتهان حتى و لو كان العديد من مقابرها و أضرحتها
تضم رفات أولائك الفاتحين الأوائل و سلالاتهم الذين استوطنوا بأرض الشرافات
من أجل
القيام على خدمة المسجد المذكور و المرابطة للدفاع عن حوزة الوطن و عقيدة أهله .
فحالة المقبرة التاريخية
التي توجد بجوار المسجد هذه الأيام و تحديدا منذ الإصلاحات التي شملت المسجد في
الفترة الأخيرة ، و هي لا تبشر بالخير ، كما تثير الكثير من مشاعر الاستنكار و
التقزز في نفس كل من رآها ، أو تجول في أرجائها خصوصا و أنها تعكس إلى أي حد انحدر
شعور احترام حرمة مقابر المومنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و الذين فرض
لهم الشرع الحكيم بالمناسبة كل حرمة و هيبة حيث قال النبي (ص) يوم حجة الوداع في
معرض تحريم الاعتداء على حرمة المسلم سواء كان حيا أو ميتا : ((إن دماءكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )) ، و قال (ص)
في مناسبة أخرى : (( كل المسلم على المسلم
حرام دمه و ماله و عرضه )) أخرجه أصحاب الصحاح ، و اعتبر العلماء بإجماع أن مال
الميت و عرضه و منهما قبره و رفاته داخل كل منهما في عموم الحديثين و ما يقتضيانه
من حرمة . أما في شأن تحريم انتهاك حرمة رفات المسلم و النبش عليها و بالأخص العمل
الذي يؤدي الى كسرها أو امتهانها ، فقد قال (ص) : ((كسر عظم الميت ككسره حيًا)) ،
أخرجه الإمام ابن ماجه بإسناده مرفوعا عن أمنا عائشة رضي الله عنها وترجم له بقوله
: (باب في النهي عن كسر عظام الميت)، كما أورده الكثير من المحدثين و الحفاظ
في أبواب قريبة من هذا الحكم و المعنى .
على أن الذي يتابع الوضع المتردي داخل
المقبرة التاريخية بحرم المسجد المذكور ، سيفاجأ و يصاب بالصدمة لما آلت إليه أمور
مقابر المسلمين و أضرحتهم المنورة التي ضمت منذ قرون ما لا يحصى من رفات حملة
القرآن و المجاهدين و أهل العلم و الصلاح و الولاية و الخفاء ، و تحولت مع غياب
العناية و انحطاط الشعور الأخلاقي و الإهمال المتعمد الى مكان لطرح النفايات و الأزبال
، كما دنست و اندرست بسبب ذلك المعالم المميزة للعديد من القبور التي تعد حبسا على
أصحابها و حرمة لهم يحرم الاعتداء عليها أو تدنيسها بأي وجه من الوجوه و يكون من
مسؤولية السلطات المعنية بالإقليم حمايتها في إطار القانون و أحكام الشريعة السمحة
و أعراف المغاربة الجاري بها العمل منذ القرون الأولى .
بل الأفظع من ذلك هو انكشاف عظام و رفات بعض من
دفن بالمقبرة و تكسرها و تبعثرها في أرجاء مختلفة وسط أكوام الردمة و مخلفات أشغال
الإصلاح التي عرفها المسجد من أتربة و حجارة ، إضافة إلى أزبال و نفايات المحالات
التجارية و المقاهي و المجازر المجاورة التي يتم طرحها عشوائيا وسط المقبرة ، و على
المقابر على مرآى و مسمع من الجميع مما أدى و يؤدي الى تكريس النظرة السلبية عن
أهل الشرافات المجاورين للمقبرة و تلويث البيئة و انتهاك حرمة أضرحة المومنين و
المؤمنات فيهم الكثير من حفظة كتاب الله و العلماء و الشهداء و أهل الولاية و
الصلاح الذين عاشوا مجاورين للمسجد العتيق و انقطعوا للعبادة و التقوى و تحصيل العلم
الشريف .
فمتى إذن ستتدخل الجهات المسؤولة
بالإقليم لحماية المقابرة التاريخية ببلدة الشرافات و ما فيها من مقابر للمسلمين و
الفاتحين الذين أسسوا المسجد العتيق و رابطوا بجانبه لنشر الإسلام و علومه و قيمه
الحضارية السمحة ؟ و بالتالي فرض حرمتها التي فرضها الشرع و القانون و كل القيم الأخلاقية
و الإنسانية السامية ؟ و لماذا تم التغاضي عن جملة الانتهاكات التي مورست في حق
مقبرة تاريخية اضطلع ساكنوها بدور كبير في ترسيخ قيم المجتمع المغربي المادية و
الروحية ، و قد قال النبي (ص) في حق القرون الأولى : ((خير القرون قرني ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم ))؟
ابو محمد
السعيد
من علماء
خريجي دار الحديث الحسنية