دعا جلالة الملك محمد السادس إلى ضرورة الانكباب على مراجعة وتحديث
الترسانة القانونية المؤطرة للعقار، بشقيه العمومي والخاص، بما يضمن حماية الرصيد العقاري
وتثمينه ورفع فعالية تنظيمه، وتبسيط مساطر تدبيره، لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز
الدينامية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، ذلك أن "الجانب التشريعي يشكل أحد
أهم التحديات، التي يتعين رفعها لتأهيل قطاع العقار، نظرا لتنوع أنظمته، وغياب أو تجاوز
النصوص القانونية المنظمة له، إضافة إلى تعدد الفاعلين المؤسساتيين المشرفين على تدبيره".
وحدد جلالته في الرسالة التي، تلاها مستشاره عبد اللطيف المنوني،
خلال افتتاح أشغال المناظرة الوطنية حول موضوع "السياسة العقارية للدولة ودورها
في التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، أمس (الثلاثاء)، بالصخيرات، ملامح الإصلاحات
الواجب اتخاذها للرقي بمنظومة العقار، حتى تقدم أفضل خدمة للمواطن، وتحقق التنمية الاقتصادية
المنشودة، دون إهمال التنمية الفلاحية، مبرزا أن "رفع فعالية ونجاعة السياسة العقارية
للدولة، يقتضي اعتماد إستراتيجية وطنية شمولية وواضحة المعالم، وتنزيلها في شكل مخططات
عمل، تتضمن كافة الجوانب المتعلقة ببلورة وتنفيذ هذه السياسة، مع ما يرتبط بذلك من
تدابير تشريعية وتنظيمية وإجرائية في تكامل بين الدولة والجماعات الترابية، باعتبارها
فاعلا أساسيا في التنمية المجالية"، لتخلص الرسالة الملكية إلى أن تنزيل أي سياسة
عقارية ناجحة، يبقى رهينا بمدى مواكبتها بالتتبع والتقييم المستمر، للاختيارات المتبعة
من طرف الدولة في مجال تدبير العقار، بهدف قياس أثرها على مختلف المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والبيئية، "ومن ثم العمل على تقويم اختلالاتها، وتحسين نجاعتها وفعاليتها".
وذكر الملك في رسالته السامية بأن العقار يعتبر عامل إنتاج استراتيجي،
ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها، مبرزا أنه الوعاء الرئيسي لتحفيز
الاستثمار المنتج، المدر للدخل والموفر لفرص الشغل، ولانطلاق المشاريع الاستثمارية
في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية.
وأبرز الملك أنه يتعين العمل على مضاعفة الجهود، لرفع وتيرة التحفيظ
العقاري، في أفق تعميمه على كافة التراب الوطني، مع استثمار التكنولوجيا الرقمية التي
يشهدها عالم اليوم، في مجال ضبط البنية العقارية، وتأمين استقرارها وتداولها، علاوة
على ضمان التكوين الأساسي والمستمر للموارد البشرية المشرفة على تدبير قطاع العقار.
من جهة أخرى، دعا صاحب الجلالة إلى إصلاح نظام الأراضي الجماعية،
مثمنا فتح حوار وطني بشأنها لتأهيل أراضي الجماعات السلالية، لتساهم بنصيبها في النهوض
بالتنمية، وجعلها آلية لإدماج ذوي الحقوق في الدينامية الوطنية، في إطار مبادئ الحق
والإنصاف والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن كل الاعتبارات المتجاوزة.
من جهة أخرى شددت الرسالة الملكية على ضرورة أن تستهدف وثائق التعمير
وآليات التخطيط العمراني، خدمة المواطنين، وهو ما يتطلب، "العمل على التهيئة الجيدة
للفضاء العمراني والحد من التفاوتات المجالية، وتكريس العدالة الاجتماعية، بدل أن تكون
هذه الوثائق وسيلة للمضاربة، التي تتنافى مع مصالح المواطنين"، منبها إلى أهمية
أن يكون التعمير آلية لإرساء العدالة العقارية في توزيع الأعباء والارتفاقات المقررة
للمصلحة العامة بين ملاك الأراضي، وضمان توزيع عادل لفائض القيمة الناجم عن وثائق التعمير،
"وبخصوص دور العقار في مجال السكن، شدد جلالة الملك على ضرورة إرساء آليات عملية
وإجرائية، لضبط السوق العقارية، لتفادي المضاربة وانعكاساتها على الأثمان، وإيجاد حلول
مبتكرة لتمويل العقار الموجه للسكن، واعتماد الشفافية في مساطر تعبئته، وذلك بهدف تسهيل
ولوج المواطنين لسكن لائق وكريم. وحث جلالته الحكومة على مواصلة إصلاح الأنظمة العقارية
المرتبطة بالاستثمار الفلاحي، بما يجعل العقار دعامة أساسية لتطوير الفلاحة، ورافعة
للتنمية القروية.
من جهة أخرى نبهت الرسالة الملكية إلى ضرورة تركيز الجهود على تيسير
ولوج المستثمرين إلى العقار، وتبسيط مساطر انتقاله وتداوله، مع العمل على تثمين العقار
العمومي وضمان الولوج إليه، وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص، في إطار نظام جبائي عقاري
عادل وفعال ومحفز للاستثمار، من شأنه الموازنة بين حقوق الملاكين والدولة، وضمان إسهام
فاعل للعقار في الدينامية الاقتصادية.