بحجة الدفاع عن حقوق الانسان و الاتفاقيات الدولية التي
صادق عليها المغرب في المجال ذاته، و التفعيل الحرفي لبنود دستور 2011 بعيدا عن الخصوصية المغربية التي وجد الدستور من اجل حمايتها ، طالبت نشيطات حقوقيات بالرباط بمناسبة اليوم العالمي
لحقوق الإنسان ، بتعديل مجموعة من فصول مدوّنة الاسرة ، و المدونة المعنية تعد الوثيقة
التشريعية المغربية الأكثر صلة بالشريعة الإسلامية و التي عرفت تعديلات هامة سنة
2003 ، و ترَى النشيطات الحقوقيات اللواتي تتمترس خلف بعض الجمعيات النسائية أنّ
تلك الفصول تكرّس التمييز ضدّ المرأة المغربية، وتشوبها ثغرات يجري استغلالها لخرْق
القانون.
و تقدّمتْ
الشبكة الوطنية لمراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف "أناروز" مذكرة طالبتْ
من خلالها بتعديل مجموعة من فصول مدوّنة الأسرة، و هي المادة 16، المتعلقة بثبوت الزوجية،
و المادة 20 التي تعطي القاضي حق الإذن بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية، المحدد
في 18 سنة رفقة مقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك .
على أن
الأخطر ما في المذكرة المقدمة هو المطالبة بحذف المادة 39 من مدونة الاسرة بشأن الزواج
بغير المسلمين ، حيث تقضي المادة بمنع تزوج المسلمين بغير المسلمات ما لم يكن
كتابيات ، كما تنص بالموازاة لذلك على تحريم زواج المسلمات من غير المسلمين الا
بشرط اعتناق الإسلام .
و يبدو أن
هذا المقترح للمنظمة النسائية "اناروز "التي لا تمثل في الواقع الا
نفسها وقلة قليلة ممن يساندها من ذوي التوجهات الحقوقية ، و الذي تدرجه في خانة
محاربة التمييز ضد النساء ، يعد مقترحا جريئا يهدف بالأساس الى الغاء العمل
بالشريعة الإسلامية في موضوع الزواج بغير المسلمين . اذ أن مدونة الاسرة بهذا
الخصوص سلكت مسلك الشريعة باعتبارها المصدر الأول في التشريع داخل المجتمعات التي
تدين بالإسلام دينا رسميا و هو الحال الذي يوجد عليه الشعب المغربي منذ قرون و
قرون ، و احد المرتكزات الرئيسية الذي قامت عليه دساتير المملكة و منها الدستور
الجديد لسنة 2011 الذي كان موضع استفتاء المغاربة و صوت عليه الشعب المغربي بالإجماع
.
فالقران
الكريم بالنص الصريح كما في الآية 221من
سورة البقرة يقول بصيغة النهي القطعي الدلالة : (( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ
وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن
مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ . أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ
إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ )) .
و هذا
الموقف من الشرع الإسلامي في تحريم الزواج بغير المسلم ليس عاما بل يستثنى منه فيما
يعود الى الزواج بغير المسلمات المرأة الكتابية حيث يقول تعالى : ((الْيَوْمَ أُحِلَّ
لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ .
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ . وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ
إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ . وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ
فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) المائدة الآية (5)
و الذي يتأمل
هذا الاتجاه القرآني في المسالة يلاحظ أن الغاية من تحريم التزوج بغير المسلمين
ليس هو ممارسة التمييز المفضي الى الظلم و الإيذاء النفسي أو الجسدي كما يمكن أن يتصور و
هو ما تجرمه مبادئ حقوق الانسان ، و انما الغاية من ذلك حماية الانسان المسلم و
عقيدته و اخلاقه نظرا لشدة تأثير الزواج على حياة الأزواج ، و لما يترتب عن الزواج
في غياب التكافؤ و الانسجام الفكري و العقدي و الاجتماعي بين أطراف العلاقة الزوجية
من أضرار محققة تكون نتيجته إما انحلال هذه العلاقة بالطلاق و إما فتنة عظيمة في
دين المسلم الذي اعتبره الإسلام اغلى ما يملكه الانسان في هذه الحياة . فالمسألة
اذن ليس تمييزا كما تذهب اليه نشيطات اناروز و انما المسالة تدخل في نطاق الإجراءات
الحمائية و الوقائية التي يتوجب اتخاذها لصيانة عقيدة المجتمع و اخلاق افراده حيث يعد
الزواج احدى الأدوات الخطيرة في مجال تكريس تلك الصيانة و تقويتها أو على العكس من
ذلك . بل في مجال الزواج حذرتنا الشريعة الإسلامية و دائما بنفس المنطلق و توخيا
لنفس الغاية ، حذرتنا من الزواج بالمرأة السيئة الخلق حتى و لو كانت مسلمة ، فقال
النبي (ص) محذرا من ذلك : إياكم وخضراء الدمن قالوا: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟
قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء." رواه الواقدي من رواية أبي سعيد الخدري
.
يتبع ...
ذ. السعيد ريان ابو خير الدين