بعد مرور ما يقارب السنتين على توجيه سكان الشرافات رسالتهم الى السيد وزير الاوقاف في شأن تراجع الدور العلمي بمسجدهم العتيق الذي يزيد عمره على 14 قرنا , يشرف موقع جمعية اهل الشرافات للتنمية ورعاية التراث العتيق ان تنشر اسفله النص الكامل للرسالة المشار اليها.
الشرافات في : 15/01/2014
بسم الله الرحمن الرحيم
من سكان الشرافات بمدشريها الرئيسيين : تازية و أرموتة
إلى السيد وزير الأوقاف و الشؤون الاسلامية
الموضوع :
رسالة حول تراجع الدور التاريخي لمسجد الشرافات التعليمي و العلمي
سلام تام بوجود مولانا الإمام حامي الملة و الدين
مولانا أمير المؤمنين المؤتمن على مقدسات البلاد و مؤسسات العلم و العلماء
و بعد ...
نحن سكان الشرافات يسعدنا أن نرفع الى معالي السيد وزير الأوقاف و الشؤون الاسلامية – وفي قلبنا حرقة – لنحيطه علما و نلتمس تدخله لرفع الحيف الذي جعل مسجد الشرافات يجرد من هويته العلمية التليدة على مر العصور ، ويفرغ من طلبة العلم و أهله للسنة الدراسية الحالية 2013/2014 و ذلك بتحويل طلابه الوافدين عليه إلى معهد آخر ببني دركول لتدريسهم المواد الفقهية و الشريعة الشيء الذي يجعل معهد الشرافات يحرم من أهميته التعليمية ويصبح عرضة للإهمال و التراجع ، و يحرم من رواده من طلبة العلم الذين يفدون عليه من شتى أقاليم المملكة لما عرف عنه من إشعاع علمي ، خصوصا في المجال الفقهي على مر العصور ... إن حرمان هذا المعهد ـ السيد الوزير ـ من منح طلابه وتحويلها في اتجاه آخر يعد عملا مسيئا له و محاولة للمس بالاعتبار و الحقوق التاريخية له و طمسا لدوره كمعلمة فريدة تعتبر لحد الآن تراثا إسلاميا لا حدود لقيمته . إن مسجدا في حجم مسجد الشرافات بمكانته العلمية و التاريخية هو أمانة تاريخية و حق مكتسب للأجيال لم يكن في حسبان الغيورين على مقدسات البلاد و تراثها العلمي و الروحي أنه سيتم إهدارها أو تضييعها ، ولو على الأقل بالإبقاء على الحد الأدنى من وظيفته العلمية التي ورثها على تعاقب الأزمان و الدول .
و مما يتعين تأكيده السيد الوزير أن هذه المعلمة كانت على مر العصور محل تقدير و عناية من ملوك الدولة العلوية الشريفة أدام الله ظلها سواء في الماضي أو الحاضر ، و ذلك لقيمته التاريخية على أرض المملكة و كذا لدوره العلمي و الإشعاعي . و في الفترة الحديثة فقد زاره ثلاثة من السلاطين العلويين المنعمين بدء بالسلطان الذي كان عرشه على جواده مولاي الحسن الأول الذي زار المسجد بتاريخ 1886, ولا يزال بجانب هذا المسجد ممر يطلق عليه " ممر السلطان الحسن الأول " . كما زاره على التوالي جلالة السلطان محمد الخامس مارا به سنة 1956 في حين توقف به وأدى ركعتي الشكر وأمر بالعناية به الملك الحسن الثاني رحمه الله و أسكنه فسيح جناته وذلك سنة 1962 بمعية وزير الأوقاف علال الفاسي و وزير التاج آنذاك الأستاذ المختار السوسي صاحب كتاب (المعسول) . كما تجوت محامد هذا المسجد بالأمر الملكي السامي لأمير المومنين جلالة الملك سيدي محمد السادس فخر الدولة العلوية من اجل اصلاح و تجديد بنيته الى جانب المسجد الاعظم بمدينة شفشاون حينما شرف ـ حفظه الله ـ بزيارته المدينة سنة 2006 . فاستبشر أهالي قرية الشرافات خدام المسجد العتيق بهذه العناية المولية الغالية ، و رأوا في الأمر الملكي السامي أن عصرا جديدا من الاشعاع العلمي و الروحي للمسجد قد بدأ مع اعتلاء جلالته على عرش اسلافه المنعمين .
و اليوم ، و بفضل عناية جلالته يعرف المسجد العتيق حقبة عمرانية زاهية جديدة جراء اعمال الاصلاح و التجديد التي شهدها مؤخرا الشيء الذي يعد مفخرة جديدة له ، و تكريما آخر يضاف الى سجله التاريخي ، لولا العيوب التي شابت اشغال الاصلاح و هو ما يتنافى مع الارادة السامية لجلالته .
معالي السيد الوزير ، إن معلمة بهذا الحجم من العناية من ملوك الدولة الشريفة , و بما قامت به من أدوار علمية ووطنية عبر قرون عدة ، و بخاصة على عهد الحماية لا يجوز أن نفرط فيها وان نغبنها بهذا الشكل . و للإشارة ، فإن معهد الشرافات ـ كما في علم سيادتكم ـ ظل خلال حقبة الحماية صلة وصل بين طلبة جنوب المملكة و شمالها لدعم جهود الحركة الوطنية و المقاومة من اجل الاستقلال ، حيث كان طلبة الشرافات بعد انهاء دراستهم بالمعهد المذكور يلتحقون بجامع القرويين بفاس لإتمام دراستهم تم يعودون للتدريس في حلقات علمية سواء بالشرافات أو بباقي قبائل و مدن الأقاليم الشمالية ، فكانت تلك فرصة لهم للمساهمة في دعم الوطنيين بكل اشكال الدعم المتاحة لطلبة العلم . و للتذكير فقط فإن الحماية الفرنسية بعدما كانت على وفاق تام مع المنطقة الخليفية بالسماح لطلبة هذه المنطقة لولوج فاس للدراسة سرعان ما أدركت أن طلاب معهد الشرافات يقومون بأدوار و أنشطة تتعدى الدراسة لتتحول إلى تكتل طلابي يساند سياسة جلالة السلطان محمد بن يوسف في جهوده لرفع الحماية عن المملكة ، فكان أن طردت السلطات الفرنسية كل الطلاب الوافدين من معهد الشرافات ومن قبائل غمارة وحملتهم ليلا في حافلة و قامت برميهم في منطقة بوزان تسمى آسجل.
وهذا سبب وحده كفيل بأن يجعل من المسجد و المعهد المذكور أحد رموز المقاومة و المراكز الوطنية القليلة التي ساهمت في استقلال المغرب إضافة الى دوره العلمي و الروحي ، و بالتالي فحري ، من باب الوفاء ، أن يتم الحفاظ عليه و استمرار نشاطه التعليمي و الإشعاعي اليوم تكريما له ، و عرفانا بإسهاماته في مجال العمل الوطني ، و عملا بالوصية التاريخية لفقيد المفاخر و المعالي جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني طيب له روحه بعدما أتم زيارته الميمونة اليه و أمر بترميمه ، و قبلها زيارتي السلطان سيدي محمد بن يوسف و مولاي الحسن الأول ، هذا فضلا عن الامر الملكي السامي الاخير لمولانا امير المومنين جلالة الملك سيدي محمد السادس ادام الله عنايته و ظله الوارف الذي أصبح اليوم بالنسبة لخدام المسجد التاريخي العتيق مرجعهم في ضرورة العناية به و تبويئه المكانة التاريخية التي يستحقها ، فكان ذلك فخرا و شرفا لهم و أيما فخر و شرف ..
و كل ذلك لم يكن عبثا و لا أنه ينطلق من فراغ فإن أعمال الحكماء و القادة و الساسة المصلحين منزهة عن العبث ... ولا نظن أن معالي السيد الوزير تغيب عنه هاته الحقائق العلمية و التاريخية و الدور الاستثنائي الكبير في حماية الثقافة و التراث الروحي الوطني الذي اضطلع به هذا الجامع المعلمة الذي يحمل أكثر من دلالة في تاريخ المملكة عامة و المنطقة الشمالية خاصة . ولكن ما يؤلمنا هو غياب العناية به و الرعاية له كأحد المؤسسات الدينية و الثقافية القليلة ذات الرصيد الوطني و الروحي و الشاهدة على عراقة المغرب و أصالته و هويته الاسلامية و المذهبية .
و اذا كان البعض ـ السيد الوزير ـ قد غفل عن مآثر مسجد الشرافات و أدواره التاريخية في خدمة مقدسات البلاد فإن التاريخ مازال يحفظ أنه إلى عهد قريب كان به كم هائل من حفظة القرآن يحفظونه و ينكبون على تحصيل رسومه وأوجه قراءاته كتابة و تجويدا عن فقهاء محنكين و يذيلون ألواحهم بتصنيفات فقهية و متون للجرومية و الألفية و غيرها. كما كان بالمعهد علماء يدرسون الفقه و التفسير و القراءات السبع في حلقات ، كان هذا إلى عهد قريب ناهيك بماضيه التليد ، و كان سكان المداشر المحيطة بالمسجد يتكلفون بإعالة الطلبة و الفقهاء بما اصطلح عليه في العادة المغربية بـ " المعروف و الشرط " ، فكانت عائلات تلتزم مع الطلبة بتقديم أو اقتسام مواردها و ما تقتاته من طعام كل يوم ، في حين كان الفقيه يحظى بوجبة يومية ممتازة عن طريق ما كان يعرف بنظام المناوبة بين السكان المتعارف عليه بـ" النوبة " . فتأسس بسبب ذلك و لفائدة استمرار المسجد في أداء دوره العلمي و الاشعاعي نظام للتموين صارم وهو نظام عريق و متجذر تعاقب مع السنين يفرض على كل اسرة أن تحرص على نوبتها و تحملها يوميا الى الفقيه على شكل وجبيتين صباحا و مساء .
كل هذا كان محبة في القرآن و العلم و خدمة لمقدسات البلاد و تضحية من أجلها . لكن اليوم و بعد أن تحملت الوزارة الوصية مسؤولية ذلك ، و بعد ان أصبح المجلس العلمي مسؤولا على الحفاظ على هذه المكتسبات التاريخية العريقة فبدلا من أن يعرف المعهد نقلة نوعية نحو المزيد من الاشعاع و المساهمة في ترسيخ الموروث الثقافي و خدمة المقدسات تعرض للإهمال بشكل فظيع سواء من حيث بنايته أو من حيث دوره العلمي و تحول الى وضع بئيس و مخجل يبكي و يشتكي لكل زائر له يحسن الاستماع اليه و إلى أنينه و ما آل اليه من الضياع .
إننا نؤكد لكم السيد الوزير ـ و كلنا غيرة على تراث المملكة و مقدساتها الخالدة ـ أنه من غير المستساغ أن يتم الاهمال و التفريط في حق معلمة من حجم مسجد الشرافات كتراث وطني أولا و ثانيا كمؤسسة تاريخية عريقة جدا في تاريخ المغرب يزيد عمرها على اثنى عشر قرنا على المستوى الروحي والعلمي حسب ما تذكر المصادر ذات الصلة .
إننا نتطلع الى التفاتة عاجلة ، بل الى تدخل من سيادتكم يحفظ الحقوق التاريخية " للمسجد المعهد" كما يعيد اعتباره العلمي و الروحي الذي اكتسبه عبر تاريخه المديد على غرار باقي المراكز العلمية و الروحية التاريخية على أرض المملكة و سيكون ذلك عدلا و انصافا ، و نؤكد لسيادتكم جريا على عادة الأسلاف ، أننا سنسعى بكل ما أوتينا من قوة لضمان استمرار هذه المعلمة المضيئة في تاريخنا العلمي التي هي تراث ثمين ، و مشترك وطني ، و مكسب غال لكل مواطن غيور ورثها المغاربة كابرا عن كابر، علما بأن " للمسجد المعهد " أوقافا تاريخية مخصصة تبرعت بها أجيال من المحسنين و المحبسين و الأشياخ من أسلافنا أهالي الشرافات و المنطقة المجاورة منذ القديم ، و مع ذلك فالمسجد لا يستفيد من أوقافه و موارده التي تم تحبيسها خدمة للعلم و ضمانا من أجل ان يستمر كمعهد و مؤسسة علمية في عطائه و حمايته للمقدسات العليا و ما يتصل بها من موروث الخالد ، و سيادتكم أدرى من غيره أن " ارادة المحبس ملزمة و يجب احترامها و تنفيذ مقتضياتها بكل امانة " في الفقه و القانون و الشريعة . فكيف و الحال يتعلق بمركز روحي و علمي هو تراث وطني و مكسب تاريخي هو من مقدسات البلاد و موروثها العريق .
و في الأخير ، تقبلوا سيادة الوزير فائق احترامنا و تقديرنا ،
ملتمسين من معاليكم بالمناسبة أن ترفعوا إلى السدة العالية بالله امير المومنين جلالة الملك محمد السادس ولاء و تعلق شعبه الوفي أهالي و سكان الشرافات خدام المسجد و المعهد التاريخي العتيق ، ضارعين الى الله تعالى بأن يحفظه و يطيل عمره ، و يديم عليه الصحة و العافية ، و أن يبارك في ولي عهده المحبوب مولاي الحسن و صنوه السعيد مولاي رشيد و كافة الأسرة المالكة . إنه سميع مجيب و بالإجابة جدير ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ..
1 التعليقات:
التعليقاتvvffvf
رد